Friday, October 14, 2011

القانون الدولي والاعتراف بالدول.. خلفية من أجل فلسطين

عبد الحميد صيام


This article, "International Law and its Acceptance by the International Community: the Case of Palestine," was written by guest author, Dr. Abd al-Hamid Siyyam, for the Jerusalem paper, al-Quds, September 22, 2011

تستعد منظمة التحرير الفلسطينية للتقدم للأمم المتحدة بطلب الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 في شهر أيلول الحالي موعد انعقاد دورة الجمعية العامة السادسة والستين التي يرئسها الممثل الدائم لقطر السيد ناصر عبد العزيز النصر.

ورغم الضغوطات والتهديدات الأمريكية الإسرائيلية التي تمارس على القيادة الرسمية وخاصة التلويح بوقف المساعدات المالية إلا أن الأخيرة ما زالت مصرة على التقدم بمثل هذا الطلب لمجلس الأمن وفي حالة استخدام الولايات المتحدة لحق النقض سيتم تحويل الطلب إلى الجمعية العامة بعد تفعيل قرار "الاتحاد من أجل السلام" الذي يخول الجمعية العامة بمناقشة الموضوع بسبب فشل مجلس الأمن ويكون للقرار المعتمد بغالبية الثلثين سلطة القانون ويصبح شرعيا لا غبار عليه مثل سلسة القرارات التي اتخذتها الجمعية العامة في معالجة أزمة السويس عام 1956 بعد أن فشل مجلس الأمن في التعامل مع العدوان الثلاثي بسبب الفيتوين الفرنسي والبريطاني.

سيكون لهذا القرار في حالة نجاحه قوة قانونية ومعنوية وسياسية هائلة فتصبح دولة فلسطين كيانا معترفا به دوليا. صحيح أن أجزاء من أراضي هذه الدولة واقع تحت إحتلال بلد أجنبي (إسرائيل) لكن دولة فلسطين المستقلة والمعترف بها ستعمل ضمن القانون الدولي لإنهاء الاحتلال بالمفاوضات بين بلدين مستقلين متكافئين ومن حق كل طرف أن يدفع باتجاه تحقيق الحد الأقصى من طموحاته وإذا ما حدث وتم الاتفاق على كافة المسائل الخلافية فسيتم حينئذ إبرام معاهدة سلام شاملة بين دولتين بضمانة المجتمع الدولي الممثل في الأمم المتحدة وفي حالة تعنت إسرائيل في الرضوخ لمتطلبات الاعتراف بالدولة الفلسطينية تستطيع هذه الدولة جرجرة إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية وتستطيع كذلك التقدم بشكوى رسمية إلى محكمة الجنايات الدولية بعد انضمامها لعضوية المحكمة لملاحقة محرمي الحرب الإسرائيليين. إستخدام الولايات المتحدة للفيتو في مجلس الأمن سيسبب إحراجا شديدا لإدارة أوباما التي ما فتئت تتحدث عن قيام دولة فلسطينية مستقلة وعندما جاءت اللحظة الحاسمة لترجمة ما وعدت به تلك الإدارة ها هي تقف وحيدة أمام العالم لوأد تلك الخطوة مما سيزيد من عزلتها أمام المجتمع الدولي بما في ذلك حلفاؤها الأوروبيون وسيعلم العالم كله أن الولايات المتحدة فقط هي من يقف حجر عثرة في طريق إنشاء الدولة الفلسطينية. الخوف كل الخوف أن تكون السلطة الفلسطينية غير مستعدة للتعامل مع نتائج هذا القرار وتعود الأمور إلى سابقها وتعتبر القرار انتصارا معنويا "وكفي المؤمنين شر القتال" وتصبح تلك الدولة حبرا على ورق والقرار الجديد يضاف إلى عشرات بل مئات القرارات التي داست عليها إسرائيل أمام المجتمع الدولي دون رادع أو حساب أو حياء بسبب الدعم الأمريكي لتلك الدولة المارقة. وأريد أن أناقش هنا شروط قيام الدول والوضع القانوني الذي يحول كيانا ما إلى دولة رسمية على قدم المساواة أسوة بمائة وثلاث وتسعين دولة.

الدولة وشروط قيامها

استنادا إلى نتائج مؤتمر وستفاليا (ألمانيا اليوم) للسلام عام 1648 بين الدول والكيانات والإمارات الأوروبية المتنازعة، تم الاتفاق على أن هناك ثلاثة شروط لقيام الدولة ذات السيادة وهي: وجود شعب بشكل دائم ومستمر، في رقعة جغرافية محددة ، وحكومة تمارس سيادة على الأرض والشعب. وقد أضيف شرط رابع عام 1933 في معاهدة مونتفيديو بالأوروغواي وهو إعتراف دولي بتلك الدولة بحيث تستطيع الدخول في معاهدات واتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف مع أية دولة تختار.

منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945 تم الالتزام بالشروط الأربعة والعمل بها عند ضم أعضاء جدد للأمم المتحدة بشرط موافقة مجلس الأمن الذي يرفع توصية للجمعية العامة والتي بدورها تصوت على العضوية بأغلبية الثلثين. فمثلا تتوفر الشروط الثلاثة الأولى في "تايوان" لكنها ليست دولة معترفا بها بسبب وقوف الصين بالمرصاد لاستخدام الفيتو فيما لو تقدمت بطلب الإعتراف الدولي من مجلس الأمن. بورتو ريكو فيها حكومة منتخبة تمارس سيادة ناقصة على شعب في رقعة جغرافية محددة لأن السيادة العليا في يد الولايات المتحدة وهي لا تستطيع إقامة علاقات مستقلة دون رضى واشنطن ولذلك هي ليست دولة. حكومة كردستان العراق تمارس سيادة في رقعة جغرافية محددة وعلى شعب متجانس ومستقر لكنها ليست دولة لأن المعادلة الإقليمية قادرة على منع الاعتراف الدولي بها حتى لو أعلنت عن قيامها. وجمهورية قبرص التركية تتوافر فيها الشروط الثلاثة إلا الاعتراف الدولي حتى لو اعترفت بها تركيا. وإقليم كوسوفو يعاني من نفس المأزق حتى لو اعترفت به معظم دول أوروبا والولايات المتحدة إلا أن الإقليم ما زال لا يتمتع بالاعتراف الدولي القانوني رغم تمتعه بما يسمى في القانون "الاعتراف بدولة الأمر الواقع" لأن الفيتو الروسي قادر على وأد المحاولة في المهد أو مقايضة الاعتراف بكوسوفو باعتراف دولي بجمهوريتي أبخازيا وأوسيتا الجنوبية في جمهورية جورجيا وهو أمر شبه مستحيل على الأقل الآن. أما أفغانستان تحت حكم حركة طالبان (1996-2001) فكانت دولة رغم أن هناك ثلاث دول فقط كانت تعترف بها هي السعودية والإمارات وباكستان. أما بقية دول المجموعة الدولية فكانت لا تعترف بحكومة أفغانستان لا بدولة أفغانستان. والعكس صحيح، فإن إعتراف عدد كبير بمنظمة التحرير الفلسطينية لا يعني إعترافا بدولة فلسطين لعدم توفر شرط قيام الدولة. فاعتراف الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجموعة دول عدم الانحياز لا بفلسطين كدولة بل بكيانية منظمة التحرير كممثل لشعب فلسطين الذي يناضل من أجل قيام الدولة. وللتذكير فقط فإن رسالة الاعتراف التي بعثها إسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، للمرحوم ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، في 9 أيلول عام 1993 تمهيدا لاتفاقية أوسلو المشؤومة نصت بالحرف الواحد على إعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير "بصفتها الممثل الشرعي (فقط دون كلمة وحيد) للشعب الفلسطيني"، بينما نصت رسالة ياسر عرفات "بالاعتراف بحق دولة إسرائيل في العيش بسلام وأمن" وشتان بين الاعترافين، فالأول اعترف بسلطة شرعية والثاني بدولة. إذن من المهم أن نفرق بين الاعتراف بالدولة والاعتراف بالحكومة وكذلك بين الإعتراف بدولة الأمر الواقع (تايوان) والدولة من الناحية القانونية (193 دولة من توفالو بآلافها العشرة إلى الصين الشعبية بملايينها الألف والثلاثمئة).

فالاعتراف الدولي بأية دولة شرط أساسي ويجب أن تقره الجمعية العامة بأغلبية الثلثين بناء على توصية من مجلس الأمن كما حدث مؤخرا مع جمهورية جنوب السودان. إسرائيل مثلا، إعطيت شرعية ضمن قرار التقسيم 181 الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 29 تشرين الثاني 1947 الذي منح نفس الشرعية لقيام دولة عربية وأعلن ديفد بن غوريون قيام الدولة عشية الرابع عشر من أيار 1948 لكن الإعتراف بها لم يتم إلا بعد قيام مجلس الأمن بالتصويت على قرار الإعتراف رقم 69 بتاريخ 4 آذار1949 الذي أوصى الجمعية العامة بالإعتراف بإسرائيل. بتاريخ 11 أيار 1949 اعتمدت الجمعية العامة القرار 273 والذي شرعن وجود دولة ذات سيادة اسمها إسرائيل وصفها بأنها "دولة محبة للسلام تقبل التزاماتها المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وهي قادرة وراغبة في تنفيذ تلك الإلتزامات". وكم كانت رؤية الجمعية العامة ضالة ومنحازة عندما وصفت ذلك الكيان بانه دولة محبة للسلام وملتزمة بنصوص الميثاق.

أما سحب الإعتراف بحكومة دولة ما فهو أمر جائز في القانون الدولي ونود هنا أن نذكر بأن الجمعية العامة طردت من عضويتها حكومة الفصل العتصري بجنوب إفريقيا عام 1974 لكن ذلك لا يعني سحب الاعتراف بالدولة بل سحب الإعتراف بالحكومة العنصرية وعندما انهارت الحكومة العنصرية عادت الحكومة المنتخبة لتملأ المقعد الخالي في قاعة الجمعية العامة في 23 حزيران 1994 .

إذن آلية الإعتراف الطبيعية لا تصل إلى الجمعية العامة إلا بناء على توصية من مجلس الأمن. ومن هنا نعود إلى المربع الأول ونقول إن الولايات المتحدة قادة على إجهاظ فكرة الاعتراف بدولة فلسطين قبل إكتمال شروط الولادة وتكون الجمعية العامة التي ستعقد جلسة طارئة خاصة تحت سلطة قرار "الاتحاد من أجل السلام"هي المخولة شرعيا بمناقشة هذا الطلب واعتماده بأغلبية الثلثين.

شروط قيام دولة فلسطين من الناحية القانونية

وعلى فرض أن الجمعية العامة إعتمدت القرار فالسؤال الآن هل شروط قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة أسوة ببقية الدول متوفرة حاليا؟ هل هناك رقعة جغرافية محددة ذات حدود مرسمة يسكنها شعب واحد متجانس ذو ذاكرة جماعية واحدة وفيها حكومة قادرة على ممارسة السيادة على كافة أبناء الشعب في تلك الرقعة الجغرافية المحددة؟ الإجابة ليست صعبة على هذه الأسئلة فالرقعة الجغرافية غير واضحة المعالم وممزقة وغير متصلة ليس فقط بين جناحي الوطن في الضفة وغزة بل وفي كانتونات الضفة وخاصة في منطقة القدس. كما أن الشعب في تلك المناطق مقطع إلى أجزاء كل جزء تحكمه قوانين مناقضة ومخالفة للقوانين التي تخضع لها المناطق الأخرى، فليس سكان القدس الشرقية كسكان غزة ولا المجموعتان كثالثتهما في الضفة. بالإضافة إلى أن هناك استبعادا لغالبية الشعب الفلسطيني في المنفى والذي يشكل الغالبية من المجموع الكلي للشعب الفلسطيني. والأخطر من ذلك وجود مجموعات سكانية طارئة لا تنتمي للشعب الفلسطيني داخل نفس الرقعة الجغرافية وتخضع لمنظومة قوانين مناقضة تماما لقوانين الدولة الفلسطينية. وبالتالي سيكون هناك مجموعتان من السكان في رقعة جغرافية واحدة تحكم كل مجموعة منظومة قوانين مختلفة بل ومتناقضة، وهذا يخل بمبدأ سيادة السلطة المركزية التي ستجد نفسها غير قادرة على إنفاذ أي قانون في مناطق المستوطنين الصهاينة، ومن المؤكد أنهم سيشكلون تحديا لهيبتها وسلطتها مرتكزين على حائط الإسناد القوي المتمثل في دولة إسرائيل.

إذن فالشروط الثلاثة غير متوفرة لا الشعب ولا الأرض ولا السلطة القادرة على ممارسة السيادة على الإثنين. أما عن القدرة على عقد الاتفاقيات بعد توفر الاعتراف الدولي فليس لهذا البند إلا قيمة معنوية إذ إن الكيان المنبثق عن هذا الاعتراف غير قادر على استقبال ضيف يحل زائرا على السلطة نفسها التي لا تسيطر على حدود ومعابر تلك الدولة ولا مجالها الجوي ولا شريطها الساحلي ولا الحركة من وإلى الدولة.

ترجمة القرار إلى واقع على الأرض

نخلص إلى نتيجة أن التقدم بطلب إلى الجمعية العامة بالاعتراف بدولة فلسطينية حتى ولو نجح بغالبية الثلثين (129 دولة على الأقل) لا يعدو عن كونه انتصارا معنويا لا يمكن ترجمته على أرض الواقع حتى لو أعلن الفلسطينيون قيام دولتهم كما فعلوا في 15 تشرين الثاني عام 1988. لكن القرار يمكن أن يكون سندا قانونيا لشن حملة قانونية لطرد الاحتلال بالمقاومة السلمية المتواصلة وتوجه الشعب الفلسطيني بكامله لطرد المستوطنين وهدم الجدار العازل وإعادة السيطرة على كل شبر من الأراضي المحتلة وعدم إسقاط الحق التاريخي للاجئين الفلسطينيين في ديارهم الأصلية.

فعرض قضية الاعتراف أمام الجمعية العامة في شهر أيلول (سبتمبر) يجب أن يتزامن مع مظاهرات سلمية شاملة ومتواصلة لا تضعف ولا تكل ولا تمل ولا تنهزم ولا تتراخى ولاتتراجع ولا تتوقف تحت أي ظرف من الظروف. يجب إنطلاق المظاهرات العارمة يوم مناقشة الموضوع أمام الجمعية العامة من رام الله والقدس وكل مدن وقرى وبلدات الضفة والقطاع وعمان وبيروت والقاهرة والخرطوم وتونس والجزائر والرباط وإسطنبول وجاكرتا وإسلام أباد وباريس ولندن ومدريد وأثينا ونيويورك. عندها ستصبح الدولة الفلسطينة المستقلة أدنى إلى التحقيق من هذه المناورات التي نخشى أن يكون الهدف منها تسجيل انتصارات معنوية فقط. فالدولة الفلسطينية المستقلة تصنعها إرادة الجماهير المناضلة المصممة على تحقيق الانتصار لا المفاوضات العبثية ولا المناورات المكشوفة ولا المقذوفات البدائية التي تطلق من غزة لأغراض حزبية ونادرا ما تؤذي أحدا. وكما استطاعت الشعوب العربية أن تطيح برؤوس ثلاثة من كبار الطغاة والحبل على الجرار فحري بشعب الانتفاضتين والكفاح الطويل المرير وقوافل الشهداء ورائد العلم والإبداع أن يخرج إلى الشوراع في كافة أنحاء العالم بطريقة حضارية سلمية منظمة واعية ليفرض على العالم قيام دولته المستقلة في الواقع لا في العالم الافتراضي. دولة مستقلة ذات سيادة مترابطة تتحكم في حدودها ومواردها وتمارس سيادتها على كل شبر من أراضيها معافاة من سرطان الاستطيان وجدار الفصل العنصري. دولة تكون حاضنة وطنية للشعب الفلسطيني كله ومجسدة لآماله وحقه في العودة وتقرير المصير فعلا كما نص على ذلك قرار الجمعية العامة 3236 (1974). وأقترح على السلطة الفلسطينية ومفاوضيها أن يراجعوا هذا القرار المهم للتعرف على رزمة حقوق الشعب الفلسطيني التي أقرتها الأمم المتحدة إن كانوا نسوا أو تناسوا تلك الحقوق.

__________________________________________________________________

*أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك

No comments: